العيون في الشعر العربي
.
العيون تتكلّم ولكن بلا صوت، فتوحي ما توحي من هُدى وضلال. تُلهبُ الحواس، وتغزو القلوب، وتغزو الفضاء، من خلال نظرة، أو دمعة تذهل الناظرين، وتلجم السنتهم وتتركهم حيارى لا يدرون ما وراءها من خوالج ومآرب، وما تخفيه من شعور وعواطف.هي معين الجمال، وينابيع الإلهام، يستقي منها الشعراء شعرهم، والأدباء والمفكرون أدبهم وفكرهم، هي وحيهم الذي يستهلمون، وطريقتهم التي يختارون. هي خلاصة انسانيتهم ومستودع أسرارهم.العيون مُعجزة اللّه على أرضه.. حركاتها حافلة بالأحداث تدل على المحبة إذا اتسعت، وعلى الكره والحقد إذا انكمشت.. فيها الجاذبية والقوة، وفيها المكر والدّهاء، والجدب والرّخاء، والبريق واللهيب واليقظة والفتور. هي كتاب لا يقرؤه إلا المجربون من ذوي البصائر والضمائر الحية، والألباب الذكية.. فيها ما يُضعف العزائم، وفيها ما يشحذ المواهب.وحسبنا في ذلك أن فقيه الأندلس وشيخها وفيلسوفها «أبو حزم» قد ألَّف كتاباً أسماه «طوق الحمامة» في لغة العيون وحركاتها ومدلولاتها وإشاراتها سنقطف من ألحاظها بعضاً من سهامها وأشعارها شيئاً يخدم الموضوع، وعند حدود عنوان هذا المقال. ومع هذه القوة والمكانة للعيون.. نجد أن العقل الإنساني قد أوجد لها عيوناً مساعدة، مكّنت الإنسان كشف الخفايا بعمليات التنظير.. واكتشاف المسارات والأفلاك وسجّلت هذه العيون رؤيا الكواكب والمريخ وجابت الفضاء لتتجسّس على أخفى خصوصيّات الإنسان عبر الأقمار الصّناعية ومن ثم نقل هذه الأسرار والخصوصيات عبر الفضائيات وشبكات الإنترنت العنكبوتية..
إنها عيون هاتكه وفاضحة وساحرة وكاشفة ونافذة وفاحصة وعاذله وشاكيه وفاترة وناعسة وأحياناً قاتلة كما وصفها الشاعر العربي جرير:
إنّ العيون التي في طرفها حَوَرٌ
قتلننا ثمّ لم يُحيين قتلانا
يصرعن ذا اللّبّ حتى لا حراك به
وهن أضعفُ خلق اللّه إنساناً
بل هي أكثر من ذلك عند أبي الطيّب المتنبي.. حينما يصف قتيل الهوى مضرجاً بدموعه، بينما قتيل المعارك مُضرّج بدمائه.. فهو يقول:
لا تعذُلِ المشتاق في أشواقه
حتى يكون حشاك في أحشائه
إنّ القتيل مُضرّج بدموعه
مثل القتيل مُضرّج بدمائه..
بل إنّ عودة روح هذا القتيل لصاحبها هي في رأي أبي الطيب المتنبي في عودته للكواعب.. ونظره إلى لحظ الحبائب فهو يقول:
أعيدوا صاحبي فهو عندالكواعب
وردّوا رُقادي فهو لحظُ الحبائب
فإن نهاري ليلة مدلهمة
على مُقلة من بعدكم في غياهب
بعيدة ما بين الجفون كأنما
عقدتم أعالي كلّ هُدب بحاجب
• لغة العُيون في طَوْقِ الحَمامةِ:-
قد يعجب القارىء من شيخ تقدمت به السّن امثالي، شارف على الستين، وحج واعتمر، ولا يترك فرضاً ولا نافلة إلا ويقوم بها طواعية وقُرباناً له في آخرته.. ويزول العجب عندما يعلم القارىء أنّ فقيهاً وشيخاً وفيلسوفاً قد كتب رسالة في هذا الموضوع ضّمنها في كتاب طويل أسماه «طوق الحمامة». وصاحب هذا الطوّق «ابن حزم» فقيه الأندلس وشيخها وفيلسوفها.
بوّب هذا الطوّق ثلاثين باباً.. منها عشرة في أصول الحُبّ وإثنا عشر في أغراض الحبّ وصفاته المحمودة والمذمومة، وستة في الآفات الدّاخلة عليه، ثم بابان ختم بهما طوق الحمامة: باب في قُبح المعصية وباب في فضل التعففّ.
والتراث العربي حافل بأمثال طوق الحمامه، منها: «روضة المحبّين» لابن قيّم الجوزية، «ومصارع العُشاق» لابن السرّاج، وديوان الصبابة، لابن أبي حجلة، وكتاب الزهرة، للمفكر العراقي ابن داود الظاهري.
وعلى أية حال فهذا الموضوع معنى ومضموناً، وشكلاً وسلوكاً، وطريقة وتعبيراً، يختلف عن ذاك الذي هو في زماننا، بعد أن أصبح فنوناً وألواناً، وأشكالاً وأحجاماً، وأطيافاً.. يُعرض على الشاشات، ويُمارس في بعض المحافل والبارات، حتى أفرغ من مضمونه.. وشوهت ملامحه، وديست معانيه وأهدافه السّامية. وهذا ما يتّضح لنا من طوق الحمامة، وسلوك بني عُذره، وفلسفة ابن سينا، وأخبار جميل وبثينه، وقيس ولبنى.
نفكّ طوق الحمامة لندخل إلى أبواب:
- الاشارة بالعين ومدلولاتها
- مفاهيم الحبّ ومدلولاته
- أنواع المحبة وعلاماتها
- الوحدانية في الحبّ..
الإشارة بالعين ومدلولاتها:
إشارات العين لها رموزها ومدلولاتها:
- فإن كانت بمؤخرّ العين الواحدة.. فإنّها نهي عن الأمر
- وتصغيرها.. إعلام بالقبول
- وإدامة نظرها دليل التوجع والأسى
- وكسر نظرها آية الفرح
- وإطباقها دليل على التهديد
- وقلب الحدقة إلى جهة ثمّ صرفها بسرعة تنبيه عن مُشار إليه
- والإشارة الخفيّة بمؤخر العينين معاً.. سؤال
- وقلب الحدقة من وسط العين إلى موقعها بسرعة، شاهد المنع
- وترعيد الحدقتين من وسط العينين.. نهي عام
وكل ذلك لا يدرك إلاّ بالمشاهدة..
ولا يُعرف إلاّ بالتجربة.. وتجربة العاشقين في حل هذه الرّموز أعظم تجربة. ومن هذه الاشارات والمدلولات التي ترجمها شعراء العرب شعراً خالداً على مدى الأزمان.. وشذى يعبق بالعطر في كل مكان قولهم:
جُننّا بليلى وهي جُنّت بغيرنا
وغيرها بنا مجنونة لا نريدها
ومنها قول الشاعر:
أليس وعدتني يا قلب أني
إذا ما تبتُ عن ليلى تتوب
فها أنا عن حبّ ليلى تائبٌ
فما لك كلّما ذكرت تذوب!!
وللّه درّ أبي الطيب المتنبي في قوله:
يا عاذل العاشقين دع فئة
أضلّها اللّه كيف ترشدها
بئيس الليالي سهدتُ من طرب
شوقاً إلى من يبيت يرقدُها
وهو نفسه الذي أبلاه الهوى وألهبه النّوى ونحُل جسمه، حتى كاد لا يُرى مصوّراً ذلك بالأبيات التالية:
أبلى الهوى أسفاً يوم النّوى بدني
وفرّق الهجر بين الجفن والوسن
روحٌ تردّد في مثل الخلال إذا
أطارت الريحُ عنه الثوب لم تبن
كفى بجسمي نُحوُلاً أنني رجلٌ
لولا مخاطبتي إياك لم ترني
ولم أرَ بياناً أبلغ وأروع من بيان المتنبي.. ولم أتذوّق شعراً كشعر أمير البيان المتنبي.. أكاد أجزم أنه الدّهر المنشد على طول الزّمان وفي كل مكان. تذوق معي الأبيات التالية:
قبلتها ودموعي مزجُ أدمُعها
وقبلتني على خوفٍ فماً لفم
قد ذقتُ ماءَ حياة من مُقبلها
لو صاب ترباً لأحيا سالف الأصم
ترنو إليّ بعين الظّبي مُجهشةً
وتمسحُ الطلّ فوق الورد بالعنَم
اعذروني أيها القراء الأعزاء.. إن تلمست لواحظ العيون وأهدابها.. في سكونها وحركاتها من خلال أبيات المتنبي التالية:
رأيت وجه من أهوى بليل عواذلي
فقلتُ نرى شمساً وما طلع الفجرُ
رأيت التي للسحر في لحظاتها
سيوفٌ ظباها من دمي أبداً حُمْرُ
تناهى سكون الحُسن في حركاتها
فليس لرائي وجهها لم يَمُت عذْرُ
• مفاهيم الحبّ ومدلولاته:
الحبّ في رأي الفقيه «ابن حزم» شيء لا نستطيع أن نصفه، ولا بُدّ من معاناته حتى نعرفه. والدّين لا ينكره، والشريعة الاسلامية لا تمنعه، إذا ارتبطت به قلوب المحبين على الطهّارة والعفة.
والمحبة في رأيه مراتب وأنواع، أفضلها محبة المتحابين في اللّه عز وجل، ومحبة القرابة، ومحبّة الألفة والاشتراك في المطالب، ومحبّة التصاحب والمعرفة ومحبّة الطمع في جاه المحبوب أو ماله أو جماله، ومحبّة اللّذة وقضاء الوطر ومحبّة العشق التي لا علّة لها إلا اتصال النفوس.
ولكن تاج المُحبين يرى أن قمة الحبّ هي في المودّة التي تحفظ النّسل والذرّية.. وبدون هذه الذريّة يخبو الحبّ ويذوى وينطفىء وهذا النوع من الحبّ لا يكون إلاّ بين رجل وامرأة جمعتهم وسادة الرحمن لتكون أسرة وذرّية. مصداقاً لقوله تعالى:
.. } وَمِنْ أيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لكُمْ مِنْ أَنْفِسكُمْ أَزْواجاً لتَسكُنوا إليْها، وَجَعَلَ بَيْنكُم مَوَدّةً وَرَحْمةً إنَّ في ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يتفكرونَ{الرّوم/12
ومن علامات الحبّ - عند ابن حزم - ادمان النظر، والاقبال بالحديث على المحبوب، واستغراب كل ما يأتي به مع الاستحسان وكأنه معين الجمال وعين المُحال والسير نحو المكان الذي يكون فيه، والدّنوّ منه، والتباطؤ عند القيام عنه واضطراب المحب عند رؤية المحبوب، وتعمد ملامسة يده عند المحادثة، وأن يشرب ما أبقى المحبوب في إنائه.
ومن الأشعار التي ترجمت هذه المعاني والعلامات شعراً عربياً أصيلاً.. مايلي:
قول المتنبي:
لك يا منازلُ في القلوب منازلُ
أقفرت أنت وهُنّ منك أواصل
ما دمت من أرب الحسان فانمّا
رَوْقُ الشباب عليك طلُّ زائلُ
ولعلّ شعراء الحبّ العذري، هم خير مثال في بيان مفاهيم الحبّ ومدلولاته، وتوضيح هاماته وإشاراته..
ومنها قول جميل بثينه:
يموت الهوى منيّ إذا ما لقيتها
ويحيا إذا فارقتها فيعودُ
وما قاله قيس بن ذريح في صاحبته لُبنى:
وإنيّ لأهوى النوم في غير حينه
لعلّ لقاءً في المنام يكونُ
تحدّثني الأحلامُ أني أراكمُ
فيا ليت أحلام المنام يقينُ
ومن غزل أبو الطّيب قوله:
كأنّها في نهارها قمر
حقّ به من جِنَانِها ظُلمُ
ناعمة الجسم لا عظامَ لها
لها بنانٌ وما لها رخِمُ
ومن أشعار قيس بن ذريح قوله:
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى
ويجمعني والهمّ بالليل جامع
نهاري نهارُ الناس حتى إذا بدا
لي الليلُ هزّتني إليك المضاجعُ
لقد رسخت في القلب منك مودّة
كما رسخت في الرّاحتين الأصابعُ
ومن هذه الأشعار قول كثير عزة:
فما للنوّى لا بارك اللّه في النوى
وعهدُ النوى عند المحبّ ذميم
فإما تريني اليوم أبدي جلادةً
فإنيّ لعمري تحتَ ذاكَ كليمُ
• الوحدانيّة في الحبّ:
من العجيب أنّ الفقيه «ابن حزم» يُؤمن بالوحدانية في الحبّ، في عصر عايشه يُبيح للرّجل أن يقتني ما شاء من الجواري وما طاب من الحسان.
ويقول ابن حزم «.. لا يمكن لرجل أن يحب اثنتين، لأنه لا يملك قلبين، ومن شذّ عن ذلك، فحبّه شهوه، وهي من الصّفات المذمومة، والتي قد تقود صاحبها إلى المعصية..» وأفرد باباً تحدّث به عن العفّة والطهارة.
وخلص ابن حزم في طوق الحمامة إلى ثوابت ثلاثة هي:
• مكانة العيون ودلالاتها من حيث أنّها أبواب المحبة ونوافذ المودّة، وقنوات الشّوق، ومعين الجمال والحُسن.
• الأمر الثاني أن المحبّة لا يدركها إلاّ من وقع في تجربتها.. وعاناها فعلاً.. فلا يفهم لغة العاشقين إلاّ عاشقون مثلهم.
• الأمر الثالث.. الوحدانيّة في الحبّ...
نقّل فؤادك ما استطعت من الهوى
ما الحبّ إلاّ للحبيب الأوّل
ومن هذه الأشعار قول قيس بن الملوّح - مجنون ليلى -
أعدّ اللّيالي ليلة بعد ليلة
وقد عشتُ دهراً لا أعدّ اللّياليا
أراني إذا صلّيتُ يمّمْت نحوها
بوجهي وإن كان المُصًلى ورائيا
وما بي إشراك ولكنّ حبّها
كعود الشجا أعيا الطبيب المُداويا
أحبّ من الأسماء ما وافق اسمها
وأشبهه أو كان منه مُدانيا..
ومن الأمثلة على وحدانية الحبّ حبّ جميل وبثينة، وحب قيس بن الملوّح إلى ليلى -مجنون ليلى - وحب قيس ولبنى.. وكثير وعزّه.. وسائر حبّ بني عُذره.. مبنيُّ على الوحدانية في الحبّ والطهارة والعفة.
• تشبيه العيون بالنّرجس:
من طلائع أزاهير الربيع النّرجس، وهو من أشدّ الأزهار تعبيراً وأكثرها تشبيهاً بعيون الحسان له مُقلة وأهداب تماماً كما لعيون الحسان..
يقول أبو نواس:
لدى نرجس غضُّ القطاف كأنّه
إذا ما منحناه العيون عيون
مخالطة في شكلهنّ بصُفرة
مكان سوادٍ والبياضُ جفونُ
ومن هذه الأشعار قول «ابن المعتز»
عيون إذا عاينتها فكأنها
دموع النّدى من فوقها اجفانها درُّ
محاجرها بيضٌ وأحداقها صفر
وأجسادها خضر وأنفاسها عطرُ
ويقول ابن الرّومي» في هذا المقام:
ونرجس كالثغور مبتسم
به دموع المحدق الشاكي
أبكاه قطر النّدى وأضحكه
فهو من القطر ضاحك باكِ
ومن ألوان الشعر الأندلسي في النّرجس وتشبيهه بعيون الحسان:
انظر إلى نرجس في روضة أنف
غناءً جمعت شتّى من الزهر
كأن ياقوتة صفراءقد طبعت
في غصنه حولها ست من الدّرر
فهذا الشاعر لا يكتفي بالنظر إلى زهرة النرجس على أنها مؤلفة من التويج الصغير وجهاز التكاثر - وهما أصفران - بل هو يعدّ وريقات التويج البيض الست ويعتبرها كأنها مصنوعة من الدّرر.. وهذه الدّرر كناية عن أهداف عيون الحسان الجميلات.
وقال شاعر أندلسي آخر - هو أبو بكر بن حازم:
ونرجس ككؤوس التّبر لائحة
من الزبرجد قد قامت بها ساق
كأنهنّ عيون هدبها ورق
لهنّ من خالص العقيان أحداق
ويقول «الصنوبري» منوّهاً بشذاه العبق زيادة على شكله البديع وتشبيهه بعيون الحسان:
ونرجس مضعف تضاعف منه
الحسن في أبيض وفي أصفر
الدرّ والتبر فيه خلطا
للعين والمسك فيه والعنبر
ومن الشعراء الذين فتنوا بالنرجس «ابن الرومي» فهو يشير في الأبيات التالية إلى تبادل النّرجس والنّدامى الألحاظ كأنه واحد من هذه الحسان.. يقول:
يا حبّذا النرجس ريحانه
لأنف مغبوق ومصبوح
كأنّه من طيب أرواحه
ركبّ من رَوْحِ ومن رُوحِ
أبدى وجوهاً غير مقبوحة
في زمن ليس بمقبوح
يا حسنه في العينُ يا حسنه
من لامح للشرب ملموح
كأنّما الطلّ على نوره
ماء عيون غير مسفوح
وفي قصيدة يفضّل بها ابن الرّومي النّرجس على الورد نقتطف الأبيات الشعرية التالية:
خجلت خدود الورد من تفضيله
خجلاً تورّدها عليه شاهد
لم يخجل الورد المورّد لونه
إلاّ وناحله الفضيلة عائد
للنّرجس الفضل المبين وإن أبى
آت وحاد عن الطريقة حائد
فصلْ القضيّة أن هذا قائد
زهر الرّبيع وأن هذا طارد
شتّان بين اثنين هذا موعد
يسلب الدّنيا وهذا واعد
وإذا احتفظت به فأمتعُ صاحب
بحياته لو أن حيّاً خالدُ
أين العيون من الخدود نفاسة
ورياسة لولا القياس الفاسد
لقد ذكر ابن الرّومي أنّ النرجس رسول الربيع والبشير به، وأن الورد إنما يتفتح في نهايته، ومن المعلوم أن بعض الورود تنمو في الخريف وبهذا الاعتبار يكون ثمة تفاوت بين النرجس وبين الورد مثل ذاك التفاوت بين الخدود والعيون نفاسة وجمالاً.
• تشبيه العيون بعيون المها:
عيون المها - البقر الوحشي - تمتاز باتساعها وجمالها وبريقها وشدّة سواد مُقليتها.. مع بياض ناصع في احداقها.. فاستعار الشعراء هذه الصّفات المها والصقوها معيناً للجمال في عيون الحسان..
وأكثر ألوان هذا الشعر عند شعراءالجاهلية وخصوصاً شعراء المعّلقات.. ومنها قول «امرؤ القيس»:
مهفهفة بيضاء غير مغاضة
ترائبها مصقولةٌ كالسّجنجلِ
تصدّ وتبدي عن أسيل وتتقي
بناظرة وحشي وَجْرَةَ مطفلِ
ومن أشعار عمر بن أبي ربيعة المخزومي في الغزل قوله:
أبرزوها مثل المهاة تهادى
بين خمسٍ كواعبٍ أتراب
ثمّ قالوا: تحبّها؟ قلت بَهْراً
عدد النّجم والحصى والتّراب
وقول جرير:
عيون المها بين الرّصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث ندري ولا ندري؟
وختام المسك في تشبيه عيون الحسان بعيون المها قول أبو الطيب المتنبي.. يتغزّل في شامية.. فتاة من الشأم.
كلّ جريح ترجى سلامته
إلا فؤاداً رمته عيناها
تَبْتَلُّ خدي كلما ابتسمت
من مطر برقه ثناياها
ما نفضت في يدي غدائرها
جعلته في المدام أفواها
كلّ مُهاة كأن مقلتها
تقول إياكم وإياها..
اكتفي بهذا القدر من لغة العيون ودلالاتها واشاراتها.. وتشبيهاتها بعيون المها والنّرجس.. تاركاً لعيون الفضاء فضح أسراراها وخباياهاْ هذا وبالله التوفيق.
ضع تعليقك :///////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////
.
إنها عيون هاتكه وفاضحة وساحرة وكاشفة ونافذة وفاحصة وعاذله وشاكيه وفاترة وناعسة وأحياناً قاتلة كما وصفها الشاعر العربي جرير:
إنّ العيون التي في طرفها حَوَرٌ
قتلننا ثمّ لم يُحيين قتلانا
يصرعن ذا اللّبّ حتى لا حراك به
وهن أضعفُ خلق اللّه إنساناً
بل هي أكثر من ذلك عند أبي الطيّب المتنبي.. حينما يصف قتيل الهوى مضرجاً بدموعه، بينما قتيل المعارك مُضرّج بدمائه.. فهو يقول:
لا تعذُلِ المشتاق في أشواقه
حتى يكون حشاك في أحشائه
إنّ القتيل مُضرّج بدموعه
مثل القتيل مُضرّج بدمائه..
بل إنّ عودة روح هذا القتيل لصاحبها هي في رأي أبي الطيب المتنبي في عودته للكواعب.. ونظره إلى لحظ الحبائب فهو يقول:
أعيدوا صاحبي فهو عندالكواعب
وردّوا رُقادي فهو لحظُ الحبائب
فإن نهاري ليلة مدلهمة
على مُقلة من بعدكم في غياهب
بعيدة ما بين الجفون كأنما
عقدتم أعالي كلّ هُدب بحاجب
• لغة العُيون في طَوْقِ الحَمامةِ:-
قد يعجب القارىء من شيخ تقدمت به السّن امثالي، شارف على الستين، وحج واعتمر، ولا يترك فرضاً ولا نافلة إلا ويقوم بها طواعية وقُرباناً له في آخرته.. ويزول العجب عندما يعلم القارىء أنّ فقيهاً وشيخاً وفيلسوفاً قد كتب رسالة في هذا الموضوع ضّمنها في كتاب طويل أسماه «طوق الحمامة». وصاحب هذا الطوّق «ابن حزم» فقيه الأندلس وشيخها وفيلسوفها.
بوّب هذا الطوّق ثلاثين باباً.. منها عشرة في أصول الحُبّ وإثنا عشر في أغراض الحبّ وصفاته المحمودة والمذمومة، وستة في الآفات الدّاخلة عليه، ثم بابان ختم بهما طوق الحمامة: باب في قُبح المعصية وباب في فضل التعففّ.
والتراث العربي حافل بأمثال طوق الحمامه، منها: «روضة المحبّين» لابن قيّم الجوزية، «ومصارع العُشاق» لابن السرّاج، وديوان الصبابة، لابن أبي حجلة، وكتاب الزهرة، للمفكر العراقي ابن داود الظاهري.
وعلى أية حال فهذا الموضوع معنى ومضموناً، وشكلاً وسلوكاً، وطريقة وتعبيراً، يختلف عن ذاك الذي هو في زماننا، بعد أن أصبح فنوناً وألواناً، وأشكالاً وأحجاماً، وأطيافاً.. يُعرض على الشاشات، ويُمارس في بعض المحافل والبارات، حتى أفرغ من مضمونه.. وشوهت ملامحه، وديست معانيه وأهدافه السّامية. وهذا ما يتّضح لنا من طوق الحمامة، وسلوك بني عُذره، وفلسفة ابن سينا، وأخبار جميل وبثينه، وقيس ولبنى.
نفكّ طوق الحمامة لندخل إلى أبواب:
- الاشارة بالعين ومدلولاتها
- مفاهيم الحبّ ومدلولاته
- أنواع المحبة وعلاماتها
- الوحدانية في الحبّ..
الإشارة بالعين ومدلولاتها:
إشارات العين لها رموزها ومدلولاتها:
- فإن كانت بمؤخرّ العين الواحدة.. فإنّها نهي عن الأمر
- وتصغيرها.. إعلام بالقبول
- وإدامة نظرها دليل التوجع والأسى
- وكسر نظرها آية الفرح
- وإطباقها دليل على التهديد
- وقلب الحدقة إلى جهة ثمّ صرفها بسرعة تنبيه عن مُشار إليه
- والإشارة الخفيّة بمؤخر العينين معاً.. سؤال
- وقلب الحدقة من وسط العين إلى موقعها بسرعة، شاهد المنع
- وترعيد الحدقتين من وسط العينين.. نهي عام
وكل ذلك لا يدرك إلاّ بالمشاهدة..
ولا يُعرف إلاّ بالتجربة.. وتجربة العاشقين في حل هذه الرّموز أعظم تجربة. ومن هذه الاشارات والمدلولات التي ترجمها شعراء العرب شعراً خالداً على مدى الأزمان.. وشذى يعبق بالعطر في كل مكان قولهم:
جُننّا بليلى وهي جُنّت بغيرنا
وغيرها بنا مجنونة لا نريدها
ومنها قول الشاعر:
أليس وعدتني يا قلب أني
إذا ما تبتُ عن ليلى تتوب
فها أنا عن حبّ ليلى تائبٌ
فما لك كلّما ذكرت تذوب!!
وللّه درّ أبي الطيب المتنبي في قوله:
يا عاذل العاشقين دع فئة
أضلّها اللّه كيف ترشدها
بئيس الليالي سهدتُ من طرب
شوقاً إلى من يبيت يرقدُها
وهو نفسه الذي أبلاه الهوى وألهبه النّوى ونحُل جسمه، حتى كاد لا يُرى مصوّراً ذلك بالأبيات التالية:
أبلى الهوى أسفاً يوم النّوى بدني
وفرّق الهجر بين الجفن والوسن
روحٌ تردّد في مثل الخلال إذا
أطارت الريحُ عنه الثوب لم تبن
كفى بجسمي نُحوُلاً أنني رجلٌ
لولا مخاطبتي إياك لم ترني
ولم أرَ بياناً أبلغ وأروع من بيان المتنبي.. ولم أتذوّق شعراً كشعر أمير البيان المتنبي.. أكاد أجزم أنه الدّهر المنشد على طول الزّمان وفي كل مكان. تذوق معي الأبيات التالية:
قبلتها ودموعي مزجُ أدمُعها
وقبلتني على خوفٍ فماً لفم
قد ذقتُ ماءَ حياة من مُقبلها
لو صاب ترباً لأحيا سالف الأصم
ترنو إليّ بعين الظّبي مُجهشةً
وتمسحُ الطلّ فوق الورد بالعنَم
اعذروني أيها القراء الأعزاء.. إن تلمست لواحظ العيون وأهدابها.. في سكونها وحركاتها من خلال أبيات المتنبي التالية:
رأيت وجه من أهوى بليل عواذلي
فقلتُ نرى شمساً وما طلع الفجرُ
رأيت التي للسحر في لحظاتها
سيوفٌ ظباها من دمي أبداً حُمْرُ
تناهى سكون الحُسن في حركاتها
فليس لرائي وجهها لم يَمُت عذْرُ
• مفاهيم الحبّ ومدلولاته:
الحبّ في رأي الفقيه «ابن حزم» شيء لا نستطيع أن نصفه، ولا بُدّ من معاناته حتى نعرفه. والدّين لا ينكره، والشريعة الاسلامية لا تمنعه، إذا ارتبطت به قلوب المحبين على الطهّارة والعفة.
والمحبة في رأيه مراتب وأنواع، أفضلها محبة المتحابين في اللّه عز وجل، ومحبة القرابة، ومحبّة الألفة والاشتراك في المطالب، ومحبّة التصاحب والمعرفة ومحبّة الطمع في جاه المحبوب أو ماله أو جماله، ومحبّة اللّذة وقضاء الوطر ومحبّة العشق التي لا علّة لها إلا اتصال النفوس.
ولكن تاج المُحبين يرى أن قمة الحبّ هي في المودّة التي تحفظ النّسل والذرّية.. وبدون هذه الذريّة يخبو الحبّ ويذوى وينطفىء وهذا النوع من الحبّ لا يكون إلاّ بين رجل وامرأة جمعتهم وسادة الرحمن لتكون أسرة وذرّية. مصداقاً لقوله تعالى:
.. } وَمِنْ أيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لكُمْ مِنْ أَنْفِسكُمْ أَزْواجاً لتَسكُنوا إليْها، وَجَعَلَ بَيْنكُم مَوَدّةً وَرَحْمةً إنَّ في ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يتفكرونَ{الرّوم/12
ومن علامات الحبّ - عند ابن حزم - ادمان النظر، والاقبال بالحديث على المحبوب، واستغراب كل ما يأتي به مع الاستحسان وكأنه معين الجمال وعين المُحال والسير نحو المكان الذي يكون فيه، والدّنوّ منه، والتباطؤ عند القيام عنه واضطراب المحب عند رؤية المحبوب، وتعمد ملامسة يده عند المحادثة، وأن يشرب ما أبقى المحبوب في إنائه.
ومن الأشعار التي ترجمت هذه المعاني والعلامات شعراً عربياً أصيلاً.. مايلي:
قول المتنبي:
لك يا منازلُ في القلوب منازلُ
أقفرت أنت وهُنّ منك أواصل
ما دمت من أرب الحسان فانمّا
رَوْقُ الشباب عليك طلُّ زائلُ
ولعلّ شعراء الحبّ العذري، هم خير مثال في بيان مفاهيم الحبّ ومدلولاته، وتوضيح هاماته وإشاراته..
ومنها قول جميل بثينه:
يموت الهوى منيّ إذا ما لقيتها
ويحيا إذا فارقتها فيعودُ
وما قاله قيس بن ذريح في صاحبته لُبنى:
وإنيّ لأهوى النوم في غير حينه
لعلّ لقاءً في المنام يكونُ
تحدّثني الأحلامُ أني أراكمُ
فيا ليت أحلام المنام يقينُ
ومن غزل أبو الطّيب قوله:
كأنّها في نهارها قمر
حقّ به من جِنَانِها ظُلمُ
ناعمة الجسم لا عظامَ لها
لها بنانٌ وما لها رخِمُ
ومن أشعار قيس بن ذريح قوله:
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى
ويجمعني والهمّ بالليل جامع
نهاري نهارُ الناس حتى إذا بدا
لي الليلُ هزّتني إليك المضاجعُ
لقد رسخت في القلب منك مودّة
كما رسخت في الرّاحتين الأصابعُ
ومن هذه الأشعار قول كثير عزة:
فما للنوّى لا بارك اللّه في النوى
وعهدُ النوى عند المحبّ ذميم
فإما تريني اليوم أبدي جلادةً
فإنيّ لعمري تحتَ ذاكَ كليمُ
• الوحدانيّة في الحبّ:
من العجيب أنّ الفقيه «ابن حزم» يُؤمن بالوحدانية في الحبّ، في عصر عايشه يُبيح للرّجل أن يقتني ما شاء من الجواري وما طاب من الحسان.
ويقول ابن حزم «.. لا يمكن لرجل أن يحب اثنتين، لأنه لا يملك قلبين، ومن شذّ عن ذلك، فحبّه شهوه، وهي من الصّفات المذمومة، والتي قد تقود صاحبها إلى المعصية..» وأفرد باباً تحدّث به عن العفّة والطهارة.
وخلص ابن حزم في طوق الحمامة إلى ثوابت ثلاثة هي:
• مكانة العيون ودلالاتها من حيث أنّها أبواب المحبة ونوافذ المودّة، وقنوات الشّوق، ومعين الجمال والحُسن.
• الأمر الثاني أن المحبّة لا يدركها إلاّ من وقع في تجربتها.. وعاناها فعلاً.. فلا يفهم لغة العاشقين إلاّ عاشقون مثلهم.
• الأمر الثالث.. الوحدانيّة في الحبّ...
نقّل فؤادك ما استطعت من الهوى
ما الحبّ إلاّ للحبيب الأوّل
ومن هذه الأشعار قول قيس بن الملوّح - مجنون ليلى -
أعدّ اللّيالي ليلة بعد ليلة
وقد عشتُ دهراً لا أعدّ اللّياليا
أراني إذا صلّيتُ يمّمْت نحوها
بوجهي وإن كان المُصًلى ورائيا
وما بي إشراك ولكنّ حبّها
كعود الشجا أعيا الطبيب المُداويا
أحبّ من الأسماء ما وافق اسمها
وأشبهه أو كان منه مُدانيا..
ومن الأمثلة على وحدانية الحبّ حبّ جميل وبثينة، وحب قيس بن الملوّح إلى ليلى -مجنون ليلى - وحب قيس ولبنى.. وكثير وعزّه.. وسائر حبّ بني عُذره.. مبنيُّ على الوحدانية في الحبّ والطهارة والعفة.
• تشبيه العيون بالنّرجس:
من طلائع أزاهير الربيع النّرجس، وهو من أشدّ الأزهار تعبيراً وأكثرها تشبيهاً بعيون الحسان له مُقلة وأهداب تماماً كما لعيون الحسان..
يقول أبو نواس:
لدى نرجس غضُّ القطاف كأنّه
إذا ما منحناه العيون عيون
مخالطة في شكلهنّ بصُفرة
مكان سوادٍ والبياضُ جفونُ
ومن هذه الأشعار قول «ابن المعتز»
عيون إذا عاينتها فكأنها
دموع النّدى من فوقها اجفانها درُّ
محاجرها بيضٌ وأحداقها صفر
وأجسادها خضر وأنفاسها عطرُ
ويقول ابن الرّومي» في هذا المقام:
ونرجس كالثغور مبتسم
به دموع المحدق الشاكي
أبكاه قطر النّدى وأضحكه
فهو من القطر ضاحك باكِ
ومن ألوان الشعر الأندلسي في النّرجس وتشبيهه بعيون الحسان:
انظر إلى نرجس في روضة أنف
غناءً جمعت شتّى من الزهر
كأن ياقوتة صفراءقد طبعت
في غصنه حولها ست من الدّرر
فهذا الشاعر لا يكتفي بالنظر إلى زهرة النرجس على أنها مؤلفة من التويج الصغير وجهاز التكاثر - وهما أصفران - بل هو يعدّ وريقات التويج البيض الست ويعتبرها كأنها مصنوعة من الدّرر.. وهذه الدّرر كناية عن أهداف عيون الحسان الجميلات.
وقال شاعر أندلسي آخر - هو أبو بكر بن حازم:
ونرجس ككؤوس التّبر لائحة
من الزبرجد قد قامت بها ساق
كأنهنّ عيون هدبها ورق
لهنّ من خالص العقيان أحداق
ويقول «الصنوبري» منوّهاً بشذاه العبق زيادة على شكله البديع وتشبيهه بعيون الحسان:
ونرجس مضعف تضاعف منه
الحسن في أبيض وفي أصفر
الدرّ والتبر فيه خلطا
للعين والمسك فيه والعنبر
ومن الشعراء الذين فتنوا بالنرجس «ابن الرومي» فهو يشير في الأبيات التالية إلى تبادل النّرجس والنّدامى الألحاظ كأنه واحد من هذه الحسان.. يقول:
يا حبّذا النرجس ريحانه
لأنف مغبوق ومصبوح
كأنّه من طيب أرواحه
ركبّ من رَوْحِ ومن رُوحِ
أبدى وجوهاً غير مقبوحة
في زمن ليس بمقبوح
يا حسنه في العينُ يا حسنه
من لامح للشرب ملموح
كأنّما الطلّ على نوره
ماء عيون غير مسفوح
وفي قصيدة يفضّل بها ابن الرّومي النّرجس على الورد نقتطف الأبيات الشعرية التالية:
خجلت خدود الورد من تفضيله
خجلاً تورّدها عليه شاهد
لم يخجل الورد المورّد لونه
إلاّ وناحله الفضيلة عائد
للنّرجس الفضل المبين وإن أبى
آت وحاد عن الطريقة حائد
فصلْ القضيّة أن هذا قائد
زهر الرّبيع وأن هذا طارد
شتّان بين اثنين هذا موعد
يسلب الدّنيا وهذا واعد
وإذا احتفظت به فأمتعُ صاحب
بحياته لو أن حيّاً خالدُ
أين العيون من الخدود نفاسة
ورياسة لولا القياس الفاسد
لقد ذكر ابن الرّومي أنّ النرجس رسول الربيع والبشير به، وأن الورد إنما يتفتح في نهايته، ومن المعلوم أن بعض الورود تنمو في الخريف وبهذا الاعتبار يكون ثمة تفاوت بين النرجس وبين الورد مثل ذاك التفاوت بين الخدود والعيون نفاسة وجمالاً.
• تشبيه العيون بعيون المها:
عيون المها - البقر الوحشي - تمتاز باتساعها وجمالها وبريقها وشدّة سواد مُقليتها.. مع بياض ناصع في احداقها.. فاستعار الشعراء هذه الصّفات المها والصقوها معيناً للجمال في عيون الحسان..
وأكثر ألوان هذا الشعر عند شعراءالجاهلية وخصوصاً شعراء المعّلقات.. ومنها قول «امرؤ القيس»:
مهفهفة بيضاء غير مغاضة
ترائبها مصقولةٌ كالسّجنجلِ
تصدّ وتبدي عن أسيل وتتقي
بناظرة وحشي وَجْرَةَ مطفلِ
ومن أشعار عمر بن أبي ربيعة المخزومي في الغزل قوله:
أبرزوها مثل المهاة تهادى
بين خمسٍ كواعبٍ أتراب
ثمّ قالوا: تحبّها؟ قلت بَهْراً
عدد النّجم والحصى والتّراب
وقول جرير:
عيون المها بين الرّصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث ندري ولا ندري؟
وختام المسك في تشبيه عيون الحسان بعيون المها قول أبو الطيب المتنبي.. يتغزّل في شامية.. فتاة من الشأم.
كلّ جريح ترجى سلامته
إلا فؤاداً رمته عيناها
تَبْتَلُّ خدي كلما ابتسمت
من مطر برقه ثناياها
ما نفضت في يدي غدائرها
جعلته في المدام أفواها
كلّ مُهاة كأن مقلتها
تقول إياكم وإياها..
اكتفي بهذا القدر من لغة العيون ودلالاتها واشاراتها.. وتشبيهاتها بعيون المها والنّرجس.. تاركاً لعيون الفضاء فضح أسراراها وخباياهاْ هذا وبالله التوفيق.
المراجع:
- دراسات فنّية في الأدب العربي، الاستاذ الدكتور عبدالكريم اليافي - جامعة دمشق.
- الأدب العربي في الأندلس، الاستاذ الدكتور عبدالعزيز عتيق، جامعة بيروت العربية.
- الشعر الجاهلي، الاستاذ الدكتور ناصر الدّين الأسد، رئيس مُجمّع البحوث للحضارة الاسلامية وآل البيت، الأردن.
- مجموعة ذخائر العرب، طبعة بيروت، 8591، موسوعة من عدّة مجلّدات.
- دراسات فنّية في الأدب العربي، الاستاذ الدكتور عبدالكريم اليافي - جامعة دمشق.
- الأدب العربي في الأندلس، الاستاذ الدكتور عبدالعزيز عتيق، جامعة بيروت العربية.
- الشعر الجاهلي، الاستاذ الدكتور ناصر الدّين الأسد، رئيس مُجمّع البحوث للحضارة الاسلامية وآل البيت، الأردن.
- مجموعة ذخائر العرب، طبعة بيروت، 8591، موسوعة من عدّة مجلّدات.
ضع تعليقك :///////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////